سياسة

مسار العلاقات السورية – اللبنانية: سعي لتجاوز الماضي تثقله ملفات عدة

عبد المنعم علي عيسى- الديار

قد يكون التحدي الأكبر الماثل اليوم أمام مسار العلاقات اللبنانية السورية، التي وعد الرئيس السوري منذ وصوله للسلطة في دمشق بأن «يتخذ طابعا جديدا، ومختلفا عما سبق «، هو كيفية إعادة الثقة» شبه المفقودة «ما بين بيروت ودمشق، والأمر تزداد صعوبته في ظل التحولات الكبرى الحاصلة في المنطقة، وتزداد أكثر نتيجة للترابط الكبير بين تلك التحولات، فسوريا، من جهة، تعيش اليوم حالا من الإضطراب هي الأقسى مما عاشته منذ عهد الإستقلال، ولبنان، من جهة أخرى، يعيش أزمات داخلية شتى، من شأنها أن تشكل عاملا ضاغطا على خياراته في معالجة الملفات التي تربطه بمحيطه.

يمكن القول أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى بيروت في العاشر من الشهر الجاري، كانت من النوع «التأسيسي» الذي يمكن الرهان عليه لبناء نمط جديد للعلاقة بين البلدين، من حيث أن «الديناميكية» التي قامت عليها كانت تقوم على تعويم «لغة» المصالح على حساب «لغة» السياسة، الأمر الذي أظهرته تصريحات الشيباني بوضوح، و في إحداها قال: إن بلاده «مستعدة للتعامل مع لبنان كجار وشريك، لا كتابع أو ساحة»، ولعل هذا التصريح يبرز جيدا تلك «الديناميكية» المشار إليها، لكن التصريحات، فحسب، ليست كافية، لوحدها، للدلالة على وجود تغيير جوهري في السياسات المعتمدة على امتداد ما يزيد عن نصف قرن، ولعل من المفيد القول في هذا السياق، إن العلاقة التي ستربط ما بين بيروت ودمشق ستكون أشبه بـ«بوابة اختبار» لمدى جدية هذه الأخير في خلق حال من التمايز مع تلك السياسات، والفعل برمته سيكون موضوعا تحت «المجهر» الدولي والإقليمي على حد سواء.

 

 

كشفت تقارير، ومواقع، ومصادر، قريبة من السلطة في دمشق إن الملف الأبرز، من بين الملفات الثلاث العالقة بين البلدين، والذي كان حاضرا بقوة خلال المحادثات التي أجراها الشيباني مع مسؤولين لبنانيين، وكذا كان حاضرا بقوة أيضا خلال محادثات وزير العدل، مظهر الويس، مع نظيره اللبناني عادل نصار، التي جاءت بعد أربعة أيام فقط على الأولى، هو ملف «السجناء» السوريين في لبنان، والذي توليه الحكومة السورية اهتماما بالغا، لاعتبارات تتعلق بتركيبة السلطة، وقدرتها على «إنصاف» جمهورها الذي دفع أثمانا باهظة جراء مناصرته لها، وقد ذكرت تلك المصادر إن هذا الملف «يلقى اهتماما لبنانيا أيضا»، لكن ما يحول بين هذا الإهتمام الأخير، وبين أن تجري تراجم له على الأرض، هو «ارتهانه للمعادلات الداخلية»، وفقا لما ذكره موقع «عنب بلدي»، المقرب من السلطة السورية، نقلا عن أحد مصادره اللبنانية، وكان الموقع المذكور قد ذكر في تقرير له بهذا الخصوص، قال أنه استند فيه إلى أربعة مصادر لبنانية سياسية وقضائية، أن «الحسابات الإنتخابية في لبنان لها تأثير بالغ على مواقف السلطة اللبنانية»، وأضاف التقرير، أن «وزير الخارجية اللبنانية، يوسف رجي، كان يريد تسليم كل السجناء إلى بلدهم»، لكن وزير العدل «الكتائبي»، عادل نصار، أظهر موقفا متشددا حيال ذلك «آخذاً بعين الاعتبار حزب الله الذي يطالب بتسليم سجناء من أنصاره إلى لبنان»، ولا ينسى التقرير أن يشير إلى أن «التمسك بالدفاع عن الجيش اللبناني يشكل مادة دسمة للإنتخابات، خصوصا داخل الأحزاب المسيحية التي ينتمي الوزير نصار إلى إحداها».

الملف الثاني، ملف ترسيم الحدود وضبط المعابر، والذي لا يبدو أنه أقل تعقيدا من سابقه، فلبنان يرى إن استعادة السيطرة على حدوده، جنبا إلى جنب وقف التهريب الذي استنزف اقتصاده، ثم وصولا إلى ترسيم للحدود بشكل نهائي، شروط أساسية للحفاظ على هيبة الدولة، فيما ترى دمشق، في هذا السياق الأخير، وجوب إعادة النظر في «بعض النقاط الحدودية التي تجاوزها الجيش اللبناني خلال الإضطرابات التي وقعت العام 2014 في عرسال والقاع»، وفقا لما ذكره مصدر سوري مطلع، ومع ذلك لا يبدو أن حل هذا الملف مستحيل، خصوصا إذا ما حظي برعاية عربية، وسعودية قطرية على وجه التحديد.

ثالث الملفات الشائكة، هو ملف اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية، والذين يزيد عددهم عن المليون وفقا لإحصاءات أممية، وهذا الملف يمثل نقطة تقاطع حساسة، وفي الوقت الذي يرى فيه لبنان وجوب عودة هؤلاء إلى بلدهم كشرط، من بين شروط أخرى، لاستعادة البلاد لتوازنها السياسي والإقتصادي على حد سواء، ترى دمشق أن «العودة» تتطلب تقديم ضمانات دولية، وأممية، مسبقة، ومساعدات مالية، ناهيك عن أن طروحات قديمة في هذا السياق، ولا يعرف إذا ما كانت لا تزال مطروحة، تقول بوجوب «ربط ملف العودة بملف المحاسبة والعدالة الإنتقالية» في الداخل السوري.

Access all TV channels anywhere, anytime
Techno Mag
An engineer reveals: 1 simple trick to get all TV channels
Techno Mag
قد تبدو العوائق التي تقف أمام عملية إيجاد حلول لكل تلك الملفات أمرا صعبا، لكن ثمة خطوات يمكن لها أن تساعد في تلك العملية بشكل كبير، فدمشق اليوم مطالبة بنسج علاقات على درجة عالية من الشفافية مع بيروت، أما الأخيرة فمطالبة بتجاوز التركة الرهيبة التي راكمتها الأعوام الخمسون الماضية، والتي دفعت للـ«الريبة» و«الشك» في أي شيئ سوري.

 

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى